هل تتحقق العدالة بالمساواة التامة بين الناس أم بإنصاف فئات منهم فحسب؟
انطلاقا من قراءتي الأولية للسؤال "هل تتحقق العدالة بالمساواة التامة بين الناس أم بإنصاف فئات منهم فحسب؟"، يمكن الجزم أنه يندرج ضمن مجزوءة "القيم"، وخاصة في إطار مفهوم "العدالة". ومن الواضح أن السؤال يطرح قضية أساسية هي: تحقيق العدالة في المجتمع وكيفية توزيعها.
هذه الأخيرة تتأسس انطلاقا من المفارقة التي يطرحها السؤال تصريحا أو تلميحا، وهي:
هل العدالة هي نفسها المساواة المطلقة، أم تتطلب معاملة خاصة لفئات معينة لتحقيق الإنصاف؟ وهذا ما يسمح بطرح التساؤلات التالية: هل تتحقق العدالة بمساواة الجميع تماماً دون تمييز؟ وهل يمكن اعتبار الإنصاف طريقة لتحقيق العدالة؟
للإجابة عن التساؤلات المطروحة، أجد أنه يجدر بنا تحديد بنية التساؤلات المطروحة، وذلك من خلال تحديد دلالة المفاهيم المؤثثة للإشكال المطروح؛ فمفهوم "العدالة" يحيل على النظام الأخلاقي والاجتماعي الذي يهدف إلى توزيع الحقوق والواجبات بشكل منصف، أما مفهوم "المساواة"؛ فيدل على تقديم نفس المعاملة والفرص للجميع دون تمييز. بهذا يدافع السؤال عن الأطروحة التالية:
هل يمكن تحقيق العدالة بالمساواة التامة بين الناس، أم أن الإنصاف الذي يأخذ في الاعتبار الظروف الفردية هو الذي يحقق العدالة؟؛ والتي تجد سندا لها في الحجج الداعمة لكل من المساواة المطلقة والإنصاف.
لا شك أن لأطروحة السؤال مكانة متميزة داخل الفكر الفلسفي، بالنظر إلى مقاربتها للإشكال العميق حول كيفية تحقيق العدالة في المجتمع. حيث يدفعنا إلى التفكير في التوازن بين المساواة المطلقة والإنصاف. هناك مواقف فلسفية تؤيد فكرة أن العدالة تتحقق بالمساواة التامة، مثل موقف الفيلسوف "جون رولز" في نظريته عن "العدالة كإنصاف" حيث يرى أن العدالة تتطلب توفير نفس الحقوق والواجبات للجميع. وعلى الجانب الآخر، هناك من يعارض هذا الرأي، مثل "أرسطو" الذي اعتبر أن العدالة تتطلب إنصاف الأفراد بناءً على اختلاف احتياجاتهم وظروفهم.
في الختام أجد أن السؤال يبرز أهمية التوازن بين المساواة المطلقة والإنصاف كطرق لتحقيق العدالة، في حين نجد أن النظرية الفلسفية المعاصرة تميل إلى اعتبار الإنصاف جزءا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يجب أخذ الظروف الفردية بعين الاعتبار لتحقيق عدالة حقيقية.
وهذا كله يبرز أهمية المجال الإشكالي للعدالة في المجتمع، والذي يتطلب توضيحات متعددة من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية:
كيف يمكن تحقيق التوازن بين المساواة والإنصاف؟ وما هي الطرق العملية لتحقيق هذا التوازن في السياسات العامة؟