"إنني عاجز عن تكوين معرفة أكيدة عن الغير لأنني لا أدري ما يدور بداخله."
القولة التي بين أيدينا تندرج في إطار مجزوءة "الوضع البشري"، وتحديدا ضمن مفهوم "الغير". ومن خلال موضوعها العام، تطرح القولة قضية ذات أهمية تتجلى في صعوبة تكوين معرفة حقيقية عن الغير نظرا لعدم القدرة على الاطلاع على ما يدور بداخله. وبالرجوع إلى زاوية النظر التي طرحت من خلالها القولة، نجدها تستند إلى المفارقات التالية:
هناك حاجة لمعرفة الغير ولكن هناك أيضاً استحالة في الوصول إلى هذه المعرفة بشكل كامل. وهذا ما يدفعنا لطرح التساؤلات التالية: كيف يمكننا معرفة الغير؟ وهل يمكن تحقيق معرفة كاملة عن الغير أم تظل هذه المعرفة محدودة؟
يؤكد صاحب القولة الأطروحة التي تفيد بالعجز عن تكوين معرفة أكيدة عن الغير، وبهذا تتضمن القولة موقفا معرفيا يشير إلى حدود المعرفة الإنسانية في فهم الآخرين. لفهم أبعاد أطروحة القولة، سأنطلق من تحديد دلالات مفاهيمها الأساسية. نجد أن "المعرفة" تشير إلى الإدراك والفهم الذي يمكن تحقيقه، بينما "الغير" يشير إلى الأفراد الآخرين خارج الذات.
وقد تتبع مكونات القولة كلها عند الحاجة، وبهذا يتبين أن صاحب القولة يرى أن هناك حواجز معرفية تحول دون الوصول إلى معرفة حقيقية وعميقة عن الغير. ويدعم صاحب القولة موقفه هذا من خلال حجج تعتمد على تجربة الذاتية والواقع المعاش، حيث إن كل فرد يملك عالما داخليا خاصا به لا يمكن الوصول إليه من الخارج.
تكمن قيمة أطروحة القولة في التأكيد على محدودية المعرفة الإنسانية فيما يخص فهم الآخرين، بالنظر إلى قوة الحجاج الداعم لأطروحة القولة وامتداداتها الواقعية.
ولإغناء الموقف الذي تقترحه القولة، نجد مجموعة من المواقف المؤيدة لصاحب القولة، مثل موقف الفيلسوف "سارتر" الذي يعتبر أن الغير يشكل تحديا دائما للذات ولا يمكن فهمه بشكل كامل.
وفي نفس الإطار، نجد مواقف معارضة ترجع إلى الفيلسوف "هيغل"، الذي يرى أن التفاعل بين الأنا والغير يمكن أن يؤدي إلى معرفة أكثر عمقًا وتكاملًا من خلال الاعتراف المتبادل.
كخلاصة عامة، نجد أن مضمون القولة يرجح الأطروحة الخاصة بالعجز عن معرفة الغير بشكل كامل، في حين تميل المواقف المعارضة إلى إمكانية تحقيق معرفة نسبية وعميقة من خلال التفاعل الاجتماعي والاعتراف المتبادل. وبهذا يكتسي النقاش مكانة مركزية حول حدود المعرفة الإنسانية وفهم الغير، مما يبرز أهمية الطرح الإشكالي حول الموضوع. وكل هذا يدفعني إلى القول بأن معرفة الغير تظل محدودة ومعقدة، ولكن يمكننا تحقيق فهم نسبي من خلال التفاعل الاجتماعي والاعتراف المتبادل.